أسامة مسلم هل يستحق؟

 أعتقد أن موضوع أسامة مسلم يستحق أن نرد عليه، ونناقشه من جوانب ربما لم ينتبه إليها من أزعجهم هذا الكاتب، وأزعجتهم جحافل الشباب بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط، للظفر بتوقيع روايته "بساتين عربستان" التي يمزج فيها التاريخ بالفنتازيا والأحداث العجيبة.



1- فعل القراءة في حد ذاته شيء جميل ومحمود مهما كان المقروء وكيفما كانت جنسية الكاتب، من المغرب أو من السعودية أو من أي بلد آخر، هذا لا يهم، ولنذهب إلى أبعد من هذا، ولنعتبر أن هذه الجحافل من الشباب الناشئ لا يقرأون، هم فقط ينساقون وراء تيار التباهي بالكتاب، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وليكن ! فهذا في حد ذاته إشهار للقراءة وحفز لها، ولنفترض أن هذا الكاتب مجهول، وليس له في الكتابة مثل مستوى المنزعجين، فالتاريخ يلفظ الرداءة والتفاهة، ولا نعرف، إلى الآن، أين تكمن هذه التفاهة وأين يتجلى العمق والجِد والجِدة والجودة، فكم من كتاب زاحم رفوف الإيداع القانوني من دون فائدة، ولا نعرف من سيتأهل لامتحان التاريخ ومن سيسقط.

2- ليستعن الكُتّاب بكفايات رقمية مثل هذا اليوتوبر الذي يقدم كتابات أسامة بالدارجة، فاستطاع جلب الشباب إلى مجال القراءة، هذا ليس عيبا، ولا ببطاقة سوداء نُشهرها في وجه أسامة أو غيره من الكتاب، وهذه إحدى الواجهات الرقمية التي لا يفهمها البعض ولا يعرفون كيف يقتحمونها، فلو خرجت بهم عن حدود فايسبوك لتاهوا ولما عرفوا كيف يعودون، فما المشكل في أن يُقدم الكِتاب بالعامية في يوتوب، مادام حقق هدفه، وحصل على جمهور الشباب والناشئة؟ ما وجه الغرابة في خلق واجهة دعائية للكتاب وللقراءة؟ وليس لشيء آخر لا سمح الله!

3- نحن -أخص جيلي- نستبطن قهر السلطة بشتى صنوفها، الأسرة والمجتمع والمدرسة والسلطة السياسية والثقافية والإعلامية وسلطة منابر الإعلام التقليدي والذي ما يزال تقليديا بل محنط العقلية، حيث عانينا من الإقصاء والتهميش والقمع... لكن هذا من المفترض أن يدفعنا لتفهم الأجيال الحالية، وطبيعة المرحلة العالمية باعتبارها مرحلة رقمية بامتياز، لا أن نبقى متقوقعين، نمارس نفس العنف الذي مورس علينا، ونكرس ظاهرة الصراع الجيلي في مجال الثقافة والإبداع.

3-  لا يجب أن نغفل القوة السحرية للفضاء الرقمي، وقدرته على تحقيق المشروع الثقافي للكاتب، على افتراض أن له هذا المشروع. فوسط السيل العارم للتفاهة الرقمية، خاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، انبرى في السنوات الأخيرة كثير من الشباب يروجون في صفحاتهم للكتاب، وانتشرت صورة الكتاب مع فنجان قهوة... سواء من باب القراءة أو حتى من باب التباهي بالقراءة، أو التباهي بالكاتب المفضل، وظهر آخرون يقدمون الكتب ويلخصون أفكارها، وآخرون يقدمون مراجعات للكتب... فهذه ظاهرة صحية وهذا تقدم نحو إشاعة سلوك القراءة،  وهي خطوة الألف ميل نحو المجتمع القارئ.

4- يجب أن ننفتح على الشباب، ومن مصلحة الكاتب أن ينفتح على التلاميذ والطلبة والشباب خارج المدرسة، ومن العيب أن ينعتهم بالمراهقين، لأن الكلمة قدحية في قاموس المجتمع، وهذا الجيل والأجيال القادمة هي الجمهور المفترض للكاتب الناجح بعد حين. ولأن مشروع الكاتب (إذا كان يحمل مشروعا)، لن يجد له امتدادا في الصالونات المغلقة والمنابر المهجورة، واللقاءات المحنطة، والمنصات النخبوية والأضواء الصفراء.

5- ما لم يفهمه المنزعجون أن الشباب الناشئ وجد ضالته في "بساتين عربستان" لكونها تمزج التاريخ بالكحايات الخارقة والعجيبة، وهذا يستجيب لميولهم وهم في هذه المرحلة العمرية، وبدل الانزعاج، لنهتم بالكتابة لهذه الفئة، ونلبي تعطشهم للعوالم الخارقة، بأفق إنساني تربوي أصيل وبلغة سلسة في متناولهم.

إنها ظاهرة صحية تستحق أن نتوقف عندها بموضوعية، ولكل من خالفني الرأي ألف تحية وسلام، والاختلاف حق ونعمة.

عبد القهار الحجاري 

2 تعليقات

أحدث أقدم

نموذج الاتصال