المثقف المغربي بين الكُمون والهرولة

المثقف المغربي بين الكمون والهرولة




 يمكن تكثيف حالة المثقف المغربي راهنا في أنها حالة كمون عند البعض، وهم أقلية، تفرّغ فيها إلى إبراز ذاته الثقافية مبتعدا عن الارتباط المباشر بالولاءات الايديولوجية والحزبية، بالنظر إلى ما يشوب الفعل السياسي والحزبي من ماكيافيلية وتضخم للذات الفردية على حساب الذات الجمعية، وفي سياق التحولات التي عرفها العالم، ولا تزال تعتمل وتؤثر في الثقافة التي لم تعد منغلقة في حدودها الجغرافية، وضمنها التدهور البيئي غير المسبوق والتحولات الرقمية والتطور المذهل للذكاء الاصطناعي واتساع وسرعة التواصل عبر العالم، والانفتاح المشرع للحدود في الواقع والافتراض على حد سواء، ما جعل الثقافة المحلية أمام تحديات حقيقية ترتبط بإثبات الوجود والتفاعل وتطوير الثقافة والإبداع أكثر من مجرد الحفاظ على الهوية الثقافية في صورتها المثلى المثالية المطلقة والثابتة، وأمام هذا الراهن المعقد والمتحول باستمرار، انعكف المثقف وتقوقع بعيدا عن كل فعل ثقافي جمعي وتنظيمي، ولم يعد قادرا على بناء أدوات تنظيمية قوية بعد أفول طلائعية "اتحاد كتاب المغرب" وتحول الجمعيات الثقافية إلى صيغ لصرف الدعم المادي في أنشطة فاقدة للبوصلة وللتوجه وتعوزها الرؤية في المجال الثقافي، وتفتقر إلى قوة برنامجية واقتراحية.

أما عند الكتلة العظمى من المثقفين فهي حالة انصراف كلي نحو الذاتي والآني، وهرولة غير مسبوقة نحو الانخراط في تحقيق "أمجاد" موهومة، من خلال الانتاج الكمي الهائل والنشر الرقمي والتهافت على المنصات وأضواء الكاميرات ومكاتب مديريات الثقافة.

في المقابل، لم تتمكن الدولة إلى اليوم من الهيمنة على الحقل الثقافي اعتمادا على رؤية ومشروع ثقافي تنويري، وبالعكس تماما تستمر عبر وزارة الثقافة أساسا في تدبير المجال الثقافي وفقا لما تمليه المناسباتية والارتجال واللاعقلانية والتسييح، مع استبعاد أي تصور منتج وفاعل يستهدف التنوير وإشاعة الوعي الجماهيري.

#عبد_القهار_الحجاري

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال