تقدم الطالب الباحث عبد القهار الحجاري أمام لجنة المناقشة بأطروحته المعنونة ب: "التربية الموسيقية في المغرب: الكتاب المدرسي المتعدد نموذجا"، تحت إشراف الأستاذ الدكتور جمال بوطيب، لنيل درجة الماستر المتخصص في الكتابة ومهن الكتاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – ظهر المهراز، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. جرت هذه المناقشة يوم الجمعة 6 يوليوز 2012 على الساعة الرابعة مساء. وضمت اللجنة العلمية السادة الأساتذة :
• الدكتور محمد حجاوي أستاذ الجماليات، رئيسا
• الدكتور جمال بوطيب أستاذ أعراف الكتابة والتأليف، مشرفا ومقررا
• الدكتور إدريس الذهبي أستاذ المسرح وفنون الفرجة عضوا
وبعد المداولات التي أعقبت المناقشة، منحت اللجنة الطالب الباحث عبد القهار الحجاري ميزة حسن عن هذه الأطروحة.
وفيما يلي نص التقرير الذي قدمه أمام لجنة المناقشة :
أساتذتي الفضلاء أعضاء لجنة المناقشة الموقرة
يسعدني أن أتقدم أمام لجنتكم العلمية المهيبة، بجزيل الشكر لقبول مناقشة هذا البحث الذي أقدمه بين أيديكم لنيل درجة الماستر المتخصص في الكتابة ومهن الكتاب. وعنونته ب " التربية الموسيقية في المغرب : الكتاب المدرسي المتعدد نموذجا" تحت إشراف أستاذي الدكتور جمال بوطيب الذي ذلل لي وعره ويسر خطوه وأنار مجاهيله. فله أكن عظيم الامتنان.
تتمثل القضية الرئيسة لهذا البحث في إدماج مادة التربية الموسيقية في المنظومة التربوية، والدور الذي يمكن أن يلعبه الكتاب المدرسي المتعدد في عملية النقل الديداكتيكي لهذه المادة، بما يساعد على ترسيخها ويحقق تعميمها في البنية التربوية. ومن هنا تبرز الإشكالية: لماذا لم يتمكن المغرب لحد الآن من تعميم هذه المادة الدراسية؟ ماذا يمثل الكتاب المدرسي المتعدد للتربية الموسيقية كوسيط ديداكتيكي ضمن عملية الإدماج هاته؟ وما هو أفق هذا التطور المحجوز المراوح لمكانه؟
يفضي تقليب الإشكال بالبحث إلى طرح فرضية مفادها أن عوائق هذا الإدماج قد تجد تفسيراتها في طبيعة الثقافة السائدة، وتحديدا في ذهنيتي التبخيس والتحريم للموسيقى الثاويتين في البنية الثقافية- الاجتماعية ببلادنا. لعل هاتين الذهنيتين تتكرسان بإعادة إنتاج القيم الثقافية المتجاوزة تاريخيا والضاغطة بشكل سلبي في حقل التربية والتكوين بالمغرب. من المفارقات المثيرة أن تعميم هذه المادة لم يتحقق بعد. لا يخصص لها المنهاج غلافا زمنيا كافيا. ولا تمدها الوزارة بالموارد البشرية المطلوبة، والمعدات والوسائل التعليمية اللازمة. ولا تقوم الدولة والمؤسسات الثقافية بما يلزم إعلاميا ودعائيا لإسناد عملية إدماجها في المنظومة التربوية. ولا ينفتح تدريسها على الطرائق الفعالة. ويَفترض البحث أيضا أن الخلل الذي يشوب إرساء المادة ليس في الكتاب الوحيد أو المتعدد، بل في سيرورة تقويمه برمتها.
يتوسل البحث بلغة واصفة – نقدية تشتغل على لغة علمية تنهل من علم الموسيقى وعلوم التربية. كما تُجري الدراسة مقارنات دقيقة في المنهجية التي يسلكها كل وسيط ديداكتيكي. ولذلك اعتمد البحث على منهج نقد-النقد في تناول إشكالية تقويم الكتاب المتعدد للتربية الموسيقية، والمنهج المقارن في دراسة الكتب المدرسية للمادة للسنة الثالثة من التعليم الإعدادي.
موضوع هذه الرسالة أشار علي به أستاذي المشرف الدكتور جمال بوطيب مشكورا، من بين محاور مشروعي البحثي الشخصي في مجالات علم الموسيقى وعلوم التربية. وتنبع أهميته من الدور الهام للموسيقى في حياتنا العصرية ودخولها منذ زمن مبكر في المناهج الدراسية في العالم المتقدم. ومحاولة البلدان المدعوة إلى النهوض للوعي بأهميتها، خاصة في زمن العولمة واضمحلال الحدود بين الثقافات، وما تفرضه سلطتها الرمزية من ضرورة تمكين الأجيال القادمة من اكتساب ذائقة موسيقية وسط هذا اللج من الموسيقى الوافدة من كل صوب وحدب، المتدفقة والمقتحمة للخصوصية المحلية بلا هوادة. وفضلا عن ذلك تدخل الموسيقى في التعليم كمادة تربوية من مواد التفتح، تساعد على تطوير الذكاءات والقدرات.. وليست هذه المحصلة النظرية للدراسة الحاضرة مجرد تأملات مجانية أو افتراضات بعيدة عن الحقيقة، ولكنها خلاصةُ معطيات علم الموسيقى وعلوم التربية، خاصة ما يتعلق منها بنظرية غاردنر في الذكاءات المتعددة ومن ضمنها الذكاء الموسيقي، والثراء الباذخ للطرائق الموسيقية الفعالة في التعليم الموسيقي المتخصص وفي التربية الموسيقية في العالم المتقدم بشكل خاص وانتشارها الواسع في العالم.
قطعت التربية الموسيقية أشواطا بعيدة في العالم المتقدم وفي العديد من البلدان العربية كمصر والعراق وسورية والأردن.. حيث نجد لها مسالكَ دراسيةً متعددةً في التعليم العالي. بينما لم نتمكن في المغرب من تعميمها في السلك الإعدادي، مع غيابها شبه الكلي في الابتدائي والثانوي والعالي. ويكفي أن نلاحظ مثلا أن تلاميذ مدارسنا لا يحفظون حتى النشيد الوطني كما يجب. إن من شأن إثارة هذا الموضوع من قبل البحث الأكاديمي أن يؤهلنا للحاق بالبلدان الأخرى التي سبقتنا في هذا المضمار.
وهذه باختصار محاور الدراسة الحاضرة:
▪ في المدخل العام الموسوم بـ" إدماج التربية الموسيقية في المنظومة التربوية"، حاول البحث تحقيب سيرورة إدماجها ببلدنا خلال ما يربو عن نصف قرن.
▪ وفي الباب الأول المعنون بـ :" التربية الموسيقية وإشكالية تقويم الكتاب المتعدد" اجتهدت قدر الإمكان في أجرأة الكفايات الموسيقية. ويُدرِجُ البحث ضمن اهتمامه الطرائق الفعالة في التربية الموسيقية التي يَغفلها المنهاج الدراسي، باستثناء إشارته لطريقة دالكروز. كما يقترح تصنيفا لمكونات مادة التربية الموسيقية، يناقش على أساسه الخطوات المنهجية للدرس الموسيقي. ويطرح إشكالية تقويم الكتاب المدرسي المتعدد للتربية الموسيقية من منظور مختلف، فلا يعتبر التعدد أصل العلة، ويُثير مسألة غياب التقويم الجدي الذي يرتبط بجميع مراحله من التصورات إلى التلميذ.
▪ أما في الباب الثاني المتعلق بإجراء دراسة تقويمية مقارنة في الكتاب المدرسي المتعدد للتربية الموسيقية فقد عقد البحث مقارنة بين الكتب المدرسية لمستوى السنة الثالثة إعدادي، وهي "المختصر المفيد" و"الرياض" و"الجديد".
وليست طريق البحث في هذا الموضوع بالمعبدة. ولا هي سهلا طيع المنال. وإنما فيها ما يكفي من الصعوبات التي واجهتها دائما، فتذلل لي بعضها، واستعصى الآخر فلم أجد له فكاكا. وقد لاحظت عموما أن جل الجهات والأفراد المقصودين خلال رحلة البحث ليسوا متحمسين ولا متعاونين في هذا الموضوع. لأسباب يقف في مقدمتها عدم الاهتمام بالتربية الموسيقية. واعتبارها موضوعا لا يستحق كل هذا العناء. ويأتي في المقام الثاني من أسباب عدم التعاون الخوف من البحث لدى الكثير من البيروقراطيين في مكاتب بعض نيابات التعليم وإدارة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين. ومن نتائج صعوبات هذا البحث أنني لم أعثر على المذكرة الوزارية رقم 158 المؤرخة في 20 غشت 1995. وقد بحثت عنها في نيابات التعليم بالجهة الشرقية وفي الرباط بالمركز التربوي الجهوي ... كما لم أعثر على مذكرات أخرى قديمة. ومن جهة أخرى وجدت الصدر الرحب والتعاون التام لدى أساتذة التربية الموسيقية وبعض الإداريين والمفتشين. ووجدت العون الكبير في الأستاذ يونس الشامي عضو لجنة البرامج والمناهج الدائمة بوزارة التربية الوطنية الذي زودني بالكثير من المعلومات والوثائق الهامة لهذا البحث، وبعض الأساتذة المكونين في شعبة التربية الموسيقية بالمركز التربوي الجهوي بالرباط. كما وجدت الدعم الكامل من لدن التلاميذ في الإعداديات.
وقد توصلت الدراسة التي بين أيديكم إلى النتائج التالية :
◦ تتسم سيرورة إدماج مادة التربية الموسيقية في المنظومة التربوية ببلادنا بالبطء ومراوحة المكان، ومرد ذلك كله إلى عائق رئيس، يتمثل في سيطرة ذهنيتي التبخيس والتحريم، تجاه الموسيقى في الثقافة التربوية للدولة، وفي الثقافة الاجتماعية السائدة.
◦ينم الكتاب المدرسي المتعدد للتربية الموسيقية عن مجهود نظري وبيداغوجي. .وتعكس صيغته ككتاب متعدد ثراءً كبيرا، بينته العمليات المقارنة التي أفضت بالبحث إلى استنتاج تكاملية المرجع المتعدد المتراوح بين النهج التربوي التثقيفي والنهج العلمي الصارم.
◦ قادتني الدراسة المقارنة للكتاب المدرسي المتعدد للتربية الموسيقية إلى استنتاج وجود فارق أساسي في الطابع العام لكل كتاب من الكتب التي شكلت موضوع الدراسة الحاضرة. فقد نحى "المختصر المفيد" منحى خاصا يسعى فيه إلى إظهار الطابع العلمي لمادة التربية الموسيقية ضمن اتجاه تربوي تثقيفي، يرمي إلى تزويد المتعلم بالتقنيات والمهارات وإكسابه ذائقة وثقافة موسيقية. وحرص "الجديد" على المنطق الصارم للعلم في مادة التربية الموسيقية، من خلال منح اليد الطولى لسلطة للغة الموسيقية ودقائقها التقنية وتفاصيلها الحسابية. بينما وقف "الرياض" موقفا وسطا؛ فحاول التوفيق بين المنحيين. استحضر الطابع العلمي للتربية الموسيقية. ولم يغفل تثقيف التلميذ وإكسابه ذائقة جمالية. كما حاول ترسيخ عادة القراءة لديه.
ولإنجاح عملية إدماج مادة التربية الموسيقية في المنظومة التربوية ببلادنا يقترح البحث وضع استراتيجية تربوية تستهدف بناء وعي عصري بالفن الموسيقي ودوره في بناء الحضارة. وتقوم هذه الاستراتيجية على بناء ثقافة جديدة تطرح ذهنيتي التبخيس والتحريم إزاء الفن الموسيقي، وهذا منوط بالدولة بدرجة أساسية. وسيكون من المفيد وضع برامج ثقافية في الإعلام المتطور تهتم بالتربية الموسيقية. وتستهدف توعية الأسر بأهميتها. وتشجيع الجمعيات العاملة في هذا المجال وحفزها. والتنسيق بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الثقافة من أجل التعاون ووضع برامج مشتركة في هذا المجال.
وآمل أن يكون هذا العمل قد وضع لبنة هامة في سيرورة بناء ثقافة موسيقية – جمالية تساهم في تكوين شباب يتمتع بعمق التفكير ورهافة الحس، يتسم بالاعتدال في الميول والاتجاهات بعيدا عن نزعات التطرف والانحراف.