(ياي) الذي يقلب كل شيء

 (ياي) الذي يقلب كل شيء 



قصة 

ينظر المارة إلى (ياي) نظرات غريبة، بينما هو لا يحفل بشيء، بعضهم لا يكاد يخفي ابتسامة... دنا منه كثيرون خيل إليه أنه يعرف كل واحد منهم، لكنهم واصلوا مسيرهم، ربما يكون اليوم واهما، لم ينظر إليه أحد ولم يحفل به أحد، فقط هو عطش وحنين أو بحث في عيون الآخرين عن شيء ما يفتقده... نظر النادل إليه وكان (ياي) يحاول أن يشرح له طلبه الغريب، قال النادل ل(ياي) إنه ليس على ما يرام اليوم، نبهه إلى أنه يرتدي معطفه مقلوبا وكذلك قميصه الصوفي، قال (ياي) دون أن يتفاجأ إن الأشياء لا بد أن نتأملها كي نراها، وحاول أن يشرح له المشروب الساخن الغريب الذي يطلبه لأول مرة على غير عادته.

 بدأ النادل يفكر، تساءل في سره كيف يمكن لرجل أن يقبل امرأة في الشارع من فيها قبلة عميقة أو يسير في الاتجاه المعاكس أو يغني ملء عقيرته أو يرقص وهو في عقده السادس من دون أن تصعد الأفاعي من تحت الإسفلت؟ تساءل في سره كيف يمكن لشرطي أن يفكر خارج الأسلاك الشوكية؟.. دلف إلى داخل المقهى حائرا ثم أحضر له قهوته السوداء المضغوطة.. لم يشربها (ياي) وطفق يدخن غليونه بشراهة، فيما أخذ رواد المقهى يتطلعون إليه...

 في مكتبه قلب كل شيء رأسا على عقب، كان زملاؤه ينظرون إليه محدقين مشدوهين، في الشارع سار بمعطفه المقلوب، كان خلفه الآن اثنان منهم سيلازمانه من الآن فصاعدا، قال ل(كاتي) إنه لا يحب يوم الخميس قالت إن اليوم ليس خميسا، ثم استدركت "بل إنه خميس يا حبيبي! ".

 هي الوحيدة التي لم تستغرب، الوحيدة التي تفهمه.. لم تشفق عليه، دعته إلى كأس نبيذ، قبلته وأكدت له أن العالم مقلوب كله "هل يمكننا أن نعيده إلى الوضع الصحيح؟" هكذا تساءلت بأسى، وخيل إليها أن العالم رهيب من دونها، وكذلك من دون حبيبها (ياي) لن يحدق أحد في أحد أبدا ! وضع صورته مقلوبة في جداره، خرج الناس إلى الشوارع يرتدون ملابسهم مقلوبة، كان هناك أيضا من خرج عاريا..

اعتقل (ياي) للتو... كانت هناك فرقة خاصة اصطادته متلبسا وهو يقلب كتابا على وجهه فيما عيناه مقلوبتان من فرط التأمل، كتب محرر الاستعلامات قبيل هجوم الفرقة "الرجل (ياي) عنصر خطير يقتحم الأذهان ... وجب إيقافه فورا!" ضحك الرجل (ياي) وهو يطل على العالم المقلوب من الشاشات التي لا حصر لها. 

#عبد_القهار_الحجاري

@AbdelkahharElha

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال