الموقد الذي انقلب صقيعا
قصة
عبد القهار الحجاري / المغرب
ظلت تراقب البحر طوال النهار من خلال زجاج النافذة المغلقة، قد بقي هادئا هذه الأيام بشكل مخيف، سألته في حيرة للمرة الألف نفس السؤال :
- ما هذا الوجوم الذي يخيم على الموج ؟
لم يجبها، ينشغل الآن بإشعال الموقد من دون جدوى، جهز قطع الحطب، ورتبها فوق بقايا الرماد الهامدة، أفرغ عليها قليلا من كحول الحريق وأشعل عود الثقاب غير ما مرة من دون أن تمسك النار في الحطب؛ إذ سرعان ما تنطفئ، أعادت عليه نفس السؤال بنزق طفولي، قال بنبرة حزن واضحة :
- الموقد هو الآخر بارد، لدرجة لا تطاق !
طلب منها أن تغلق النوافد كي يكف هذا الهواء الصقيعي عن تبريد الموقد، تنهدت من أعماقها، أكدت له للمرة الألف أن النوافذ كلها مغلقة، " لا أدري ما الذي حل بنا ! "، توسلت إليه أن يرجعا إلى بيتهما الدافئ، وضع قارورة كحول الحريق على الطاولة وألقى بعلبة عود الثقاب جانبا، أمسك على رأسه صامتا، دنت منه قلقة خائفة، سألته إن كان يؤلمه شيء، فرك يديه، ابتسم بصعوبة، سمعها تردد :
- حبيبي ما بك !؟ ... فيم تفكر ؟
قال إنه لا يفكر في شيء على الإطلاق، إنه يقارن فقط بين هدوء البحر وصقيع الموقد.
دلفت نحو الخزانة المقابلة للموقد، سحبت زجاجة روم، قالت في مرح :
- فنجان قهوة بالروم هو ما نحتاجه الآن لإشعال جذوة الأوصال!
في المطبخ، أعدت البن والماء على الزيزوا النحاسية الصغيرة ووضعتها على الكانون الصغير .. أضافت ملعقتين من الشراب في فنجانين صغيرين إلى القهوة الساخنة وألقت عليها شرارة من قادحة الروم، دلفت ناحية الموقد، همت بوضع صينية القهوة على الطاولة، لكنه لم يكن موجودا، قفزت " أين غادر مرة أخرى !؟ " نادته، طلت من النافذة المغلقة .. كان هناك في الشاطئ يرقب البحر الهادئ، نادته من دون جدوى، لحقت به ..
- تعال حبيبي ! القهوة جاهزة .. البرد شديد هنا ..
قال وهو يشرب القهوة في دفعتين :
- هذا الفنجان أفضل من ذلك الموقد البئيس !
شعرت بقليل من الدفء وهي ترشف قهوتها، أرادت أن تنبهه إلى أنه تغير كثيرا، وربما قرأ ذلك في عينيها؛ إذ سألها فجأة :
- هل تعرفين ماذا حل بالعالم ؟
- لا أعرف يا حبيبي ما حل بك أيضا !
- صمت لحظة، تطلع إليها وأخبرها أن العالم صار أحمقا ثم خرج مسرعا .. لحقته مفزوعة :
- حبيبي إلى أين ؟
- سأراقب وأجهز السيارة .. حضري الحقائب بسرعة ! لا بد أن نغادر !
- هل سنعود ؟
- سنحاول .. لا أعرف .. هيا بنا !