عبد القهار الحجاري
ثمة شيء ما غير محدد، يبدو من دون ملامح.. ربما كان شيئا متحركا، فهو إذن موجود، وهي الرؤية فقط تعوزه أو تغالطه، لكن ليس بداخله الآن أي شعور آخر سوى أن اللاشيء هو ما يسيطر في الحقيقة على الأفق المخضب بالشفق، كأنه محض لوحة زيتية لرسام مبتدئ أو ربما فاشل، لا يحسن تضميخ خد القماش بالحمرة المتدرجة نحو البرتقالي الموخوط برمادي ملون بالبنفسجي.
"تبا لك ! لماذا الهرب!؟ " كاد يصرخ بأعلى صوته في الطيور المحلقة بعيدا نحو الأفق الوهمي، كأنها تتوفز تارة لتغوص في عمق البحر الهائج، ثم تعلو أخرى لتعرج نحو جبل جاثم يرقب المدى في بلادة.
تأمل اللوحة مليا، وجدها كئيبةتفتقد منظر العشاق يسيرون مثنى مثنى، تشبك يد كل منهم يدا أخرى وناعمة، يتعانقون يأخذون صورا رومانسية... كان ذلك في السابق يعطي للبحر نفس الحب فيهدأ طول الوقت حتى ليبدو وديعا مشبعا بالحنان السعيد، كانوا يسيرون طول النهار ،خاصة في وقت الغروب يجوبون الشاطئ جيئة وذهابا، أما الآخرون الذين يتابعون المشهد فلم تكن تعتورهم غيرة ولا ذرة غل أو إحساس بالحرمان، كانوا يشعرون عكس ذلك بالحب ويلفحهم رذاذ مده من بعيد، فيسعدون به، لقد انقضى ذلك الزمان، وأصبح الناس يكرهون الحب وهم متعطشون إليه، "اللعنة ! لماذا غاب الحب!؟" صرخ في سره وهو لا يزال خائفا طول الوقت.. كانت القبلة تحت الأفق في الغروب وكان العناق امتدادا لجمال المساء واللوحة تنضح بالخصب والدفء، وكانت الوجوه مفعمة بالحياة، أما الآن فعيون العواذل والقوادين والمخبرين في كل مكان؛ خلف الصخر وتحت اللج وتحت ضوء القمر الذي يكشف أستار الحلكة.. في نظرات المصطافين والباعة الجائلين وحرس الشاطئ ... بنادق القناصين وشباك الصيادين مترصدة في أثناء الغروب والأصيل لكل شعور جميل قد يلوح في الأفق.
"ليس ثمة شيء في الأفق على الإطلاق..." همس في سره متوجسا، واللوحة التي كانت مفعمة بالحب وبالفرح والجمال والأمل صارت كئيبة، نغمات القيثارة خلف الصخر أخرست، ثمة يافطات كتب عليها : ممنوع اللمس، ممنوع العزف، ممنوع العناق، ممنوع الحب... شرطة الشاطئ تصادر كل شيء وتسرق البسمة من الشفاه، وفي الخلف أقفلت المخابز؛ لم يعد هناك غير خبز مر أسود، الشارع خال إلا من السياف يجوبه طولا وعرضا...
اللاشيء يلوح في الأفق الكالح يتراءى هلاميا، كان ثمة صوت ينادي، يرتفع وينادي إيذانا بأمر ما، كاد يتدحرج من الصخرة نحو عمق الماء الباهت البليد، وقد زلت قدمه في سطحها الأملس، استجمع قواه، تجاوز المكان كان العدد القليل من الناس الموجودين بالشاطئ - وأغلبهم ذكور - يهرعون في كل اتجاه، أراد أن يلقي نظرة أخيرة على الأفق لكنه لم يستطع الالتفات...
ثمة شيء ما غير محدد، يبدو من دون ملامح.. ربما كان شيئا متحركا، فهو إذن موجود، وهي الرؤية فقط تعوزه أو تغالطه، لكن ليس بداخله الآن أي شعور آخر سوى أن اللاشيء هو ما يسيطر في الحقيقة على الأفق المخضب بالشفق، كأنه محض لوحة زيتية لرسام مبتدئ أو ربما فاشل، لا يحسن تضميخ خد القماش بالحمرة المتدرجة نحو البرتقالي الموخوط برمادي ملون بالبنفسجي.
"تبا لك ! لماذا الهرب!؟ " كاد يصرخ بأعلى صوته في الطيور المحلقة بعيدا نحو الأفق الوهمي، كأنها تتوفز تارة لتغوص في عمق البحر الهائج، ثم تعلو أخرى لتعرج نحو جبل جاثم يرقب المدى في بلادة.
تأمل اللوحة مليا، وجدها كئيبةتفتقد منظر العشاق يسيرون مثنى مثنى، تشبك يد كل منهم يدا أخرى وناعمة، يتعانقون يأخذون صورا رومانسية... كان ذلك في السابق يعطي للبحر نفس الحب فيهدأ طول الوقت حتى ليبدو وديعا مشبعا بالحنان السعيد، كانوا يسيرون طول النهار ،خاصة في وقت الغروب يجوبون الشاطئ جيئة وذهابا، أما الآخرون الذين يتابعون المشهد فلم تكن تعتورهم غيرة ولا ذرة غل أو إحساس بالحرمان، كانوا يشعرون عكس ذلك بالحب ويلفحهم رذاذ مده من بعيد، فيسعدون به، لقد انقضى ذلك الزمان، وأصبح الناس يكرهون الحب وهم متعطشون إليه، "اللعنة ! لماذا غاب الحب!؟" صرخ في سره وهو لا يزال خائفا طول الوقت.. كانت القبلة تحت الأفق في الغروب وكان العناق امتدادا لجمال المساء واللوحة تنضح بالخصب والدفء، وكانت الوجوه مفعمة بالحياة، أما الآن فعيون العواذل والقوادين والمخبرين في كل مكان؛ خلف الصخر وتحت اللج وتحت ضوء القمر الذي يكشف أستار الحلكة.. في نظرات المصطافين والباعة الجائلين وحرس الشاطئ ... بنادق القناصين وشباك الصيادين مترصدة في أثناء الغروب والأصيل لكل شعور جميل قد يلوح في الأفق.
"ليس ثمة شيء في الأفق على الإطلاق..." همس في سره متوجسا، واللوحة التي كانت مفعمة بالحب وبالفرح والجمال والأمل صارت كئيبة، نغمات القيثارة خلف الصخر أخرست، ثمة يافطات كتب عليها : ممنوع اللمس، ممنوع العزف، ممنوع العناق، ممنوع الحب... شرطة الشاطئ تصادر كل شيء وتسرق البسمة من الشفاه، وفي الخلف أقفلت المخابز؛ لم يعد هناك غير خبز مر أسود، الشارع خال إلا من السياف يجوبه طولا وعرضا...
اللاشيء يلوح في الأفق الكالح يتراءى هلاميا، كان ثمة صوت ينادي، يرتفع وينادي إيذانا بأمر ما، كاد يتدحرج من الصخرة نحو عمق الماء الباهت البليد، وقد زلت قدمه في سطحها الأملس، استجمع قواه، تجاوز المكان كان العدد القليل من الناس الموجودين بالشاطئ - وأغلبهم ذكور - يهرعون في كل اتجاه، أراد أن يلقي نظرة أخيرة على الأفق لكنه لم يستطع الالتفات...