قصة قصيرة
تحت الزيتونهْ
جلست ميمونهْ..
تستظل بوارف ظل بحجم المدى. حزينة تنظر إلى السماء. تدعو الله أن يحفظ أبناءها وقريتها من العدوان. وأن يجعل حدا لهذه الفتنة التي لا تنتهي. مكفهرا مزمجرا كرعد حملة دخل ولدها داحس الحوش :
- ولدك بسوس رديه إلى جادة الصواب ! إما أن يبتعد عن آباري ، وإلا قسما برب "الناتُ" لأقطعنه إربا إربا !
إلى السماء تضرعت وأجهشت :
- اللهم اكفني شر هذه السلالة !
****
طلعت ميمونهْ
فوق الزيتونهْ
قالت: "يا ربي !
ازرع المحبة في قلوب الأولاد والبنات. وانزع منها الخوف والجشع !"
رأت من فوق الشجرة أبناء العشيرة يأكلون بعضهم. يزدردون اللحم ويهرسون العظم برحى الأضراس. والقرية أصبحت برمتها تغرق في بركة وحل نتن كبيرة.
هبت ريح شرقية حارقة تنذر بالخراب. هلعت ميمونة عندما هرع إلى الحوش بسوس هائجا :
- سأفجر نفسي ! وأقدم جسدي قربانا لإله النار ! وأصطلي في لظى هذه الآبار !
- يهديكم الله يا ولدي ! قلوبكم عميت بالطمع في الذهب حور الجنة، فأسلمتم أرواحكم للشر.
- لكن داحس يا أمي يحاصرني، يريد أرضي وآباري.
ندبت غبراء في الحوش:
- أماه ..واحسرتاه !
فزعت ميمونة. صحت من نومها مذعورة. تلمست وسادة بعلها "العربي" الخالية في حسرة. قامت نحو الثلاجة. شربت ماءً باردا، نزل في جوفها، كالحب يثلج صدرها ذات غناء غزلي، يصدح "العربي" به في سمر مقمر قرب الخيمة.
****
نزلت ميمونهْ
من ظهر الزيتونهْ
اشتكت إليها غبراء من حزنها الدفين. ونعت لها فناء سلاّم وإخوته في اقتتال طاحن.. وكانت لا تزال على أحد الأغصان حمامة. بكت ميمونة وابنتها غبراء في خلفية الهديل. أقامتا الصلاة، ورددت ميمونة دعاءها المفضل "ميمونة تعرف ربها والرب يعرفها. ميمونة تحب الله ! فيا رب أزح عنا هذه الفتنة !".
نامت ميمونة. رأت كابوسا غريبا. عجينها في القصعة يعج دودا. كانت تقرفص في أرض ترابية بكوخ من قصدير، كأنها محبوسة. رائحة كريهة وبصيص من نور بين فجوات الجدران. فزعت، اقشعر بدنها، تقززت، وصرخت.. لكن صوتها لا يبرح حنجرتها. نظرت من ثقب صغير فرأت مالا يقال ولا تطاق رؤيته.. الأبناء أشلاء، والغربان تنهش لحمهم.. أفاقت مذعورة. هرعت إلى الشرفة. الأولاد في باحة العمارة، نادتهم كي يكفوا عن اللعب، ويصعدوا إلى البيت. فالليل بهيم ينذر بالغارة.
****
تحت الزيتونهْ
صرخت ميمونهْ
كفى من هذا النزيف !
رذاذ رش وجهها، يشي بمطر آت، والشمس ساطعة. "أهو الخريف أم الربيع؟ .. أين الربيع يا ربي؟ !" هجست في استنكار.
اختلطت الفصول. وتاه الأولاد في الصحراء، يبحثون عن الأشلاء، وعن بقايا آبار جفت أو احترقت، تحت وابل من قذائف..
****
ولازالت ميمونهْ
تحت الزيتونهْ
تدعو بدرء الخوف ونزع الطمع في ذهب الدنيا وحور الآخرة..
لازالت ميمونة تحب الله !
عبد القهار الحجاري
اللوحة للفنانة سارة لعويني
تحت الزيتونهْ
جلست ميمونهْ..
تستظل بوارف ظل بحجم المدى. حزينة تنظر إلى السماء. تدعو الله أن يحفظ أبناءها وقريتها من العدوان. وأن يجعل حدا لهذه الفتنة التي لا تنتهي. مكفهرا مزمجرا كرعد حملة دخل ولدها داحس الحوش :
- ولدك بسوس رديه إلى جادة الصواب ! إما أن يبتعد عن آباري ، وإلا قسما برب "الناتُ" لأقطعنه إربا إربا !
إلى السماء تضرعت وأجهشت :
- اللهم اكفني شر هذه السلالة !
****
طلعت ميمونهْ
فوق الزيتونهْ
قالت: "يا ربي !
ازرع المحبة في قلوب الأولاد والبنات. وانزع منها الخوف والجشع !"
رأت من فوق الشجرة أبناء العشيرة يأكلون بعضهم. يزدردون اللحم ويهرسون العظم برحى الأضراس. والقرية أصبحت برمتها تغرق في بركة وحل نتن كبيرة.
هبت ريح شرقية حارقة تنذر بالخراب. هلعت ميمونة عندما هرع إلى الحوش بسوس هائجا :
- سأفجر نفسي ! وأقدم جسدي قربانا لإله النار ! وأصطلي في لظى هذه الآبار !
- يهديكم الله يا ولدي ! قلوبكم عميت بالطمع في الذهب حور الجنة، فأسلمتم أرواحكم للشر.
- لكن داحس يا أمي يحاصرني، يريد أرضي وآباري.
ندبت غبراء في الحوش:
- أماه ..واحسرتاه !
فزعت ميمونة. صحت من نومها مذعورة. تلمست وسادة بعلها "العربي" الخالية في حسرة. قامت نحو الثلاجة. شربت ماءً باردا، نزل في جوفها، كالحب يثلج صدرها ذات غناء غزلي، يصدح "العربي" به في سمر مقمر قرب الخيمة.
****
نزلت ميمونهْ
من ظهر الزيتونهْ
اشتكت إليها غبراء من حزنها الدفين. ونعت لها فناء سلاّم وإخوته في اقتتال طاحن.. وكانت لا تزال على أحد الأغصان حمامة. بكت ميمونة وابنتها غبراء في خلفية الهديل. أقامتا الصلاة، ورددت ميمونة دعاءها المفضل "ميمونة تعرف ربها والرب يعرفها. ميمونة تحب الله ! فيا رب أزح عنا هذه الفتنة !".
نامت ميمونة. رأت كابوسا غريبا. عجينها في القصعة يعج دودا. كانت تقرفص في أرض ترابية بكوخ من قصدير، كأنها محبوسة. رائحة كريهة وبصيص من نور بين فجوات الجدران. فزعت، اقشعر بدنها، تقززت، وصرخت.. لكن صوتها لا يبرح حنجرتها. نظرت من ثقب صغير فرأت مالا يقال ولا تطاق رؤيته.. الأبناء أشلاء، والغربان تنهش لحمهم.. أفاقت مذعورة. هرعت إلى الشرفة. الأولاد في باحة العمارة، نادتهم كي يكفوا عن اللعب، ويصعدوا إلى البيت. فالليل بهيم ينذر بالغارة.
****
تحت الزيتونهْ
صرخت ميمونهْ
كفى من هذا النزيف !
رذاذ رش وجهها، يشي بمطر آت، والشمس ساطعة. "أهو الخريف أم الربيع؟ .. أين الربيع يا ربي؟ !" هجست في استنكار.
اختلطت الفصول. وتاه الأولاد في الصحراء، يبحثون عن الأشلاء، وعن بقايا آبار جفت أو احترقت، تحت وابل من قذائف..
****
ولازالت ميمونهْ
تحت الزيتونهْ
تدعو بدرء الخوف ونزع الطمع في ذهب الدنيا وحور الآخرة..
لازالت ميمونة تحب الله !
عبد القهار الحجاري