غرق
فجأة وجد نفسه في عرض الوادي الهادر. لم يخطر بباله لحظة أن كل شيء قد ينقلب في رفة رمش. كان يجلس ممتعضا أمام التلفاز، المذيع يتحدث عن الإرهاب.. "اللطف اللطف يا لطيف !" صاحت الأم.. التيار الغادر يسحبه. هو لا يمكن أن يفكر الآن في شيء. ثمة قوة بداخله تحدو به إلى قتال الغرق.. إنه يبحث في اللج عن الموت ليصارعه. إنه ينازله بلا هوادة. يريد أن ينجو. كان الوادي للتو خاليا وشاسع العرض.. هل بقي عرض؟! يمتد من المنحدر إلى قدم الجبل هناك..يرفعه الماء المختلط بالتراب إلى أعلى ويطوح به.. يغرق.. ينهض، يسبح في اتجاه ما يمكن أن يكون ضفة.. وعرض الوادي.. أي عرض؟! كيف ينجو؟! كان الوادي صديقا.. لم يحتط هو من هذا الصديق. لكنه كان دائما حضن أغنامه التي سحبها منذ قليل بلا رحمة. باغته وحمل القطيع كله.. أخذ كل شيء، بكى حماره أمس، بدأت به الحملة.. واليوم حمل الوغد الدار بأعلى السفح بكل من فيها. أجهش وهو يصارع الغرق. حاول أن ينقذ ما تبقى فغرق. يذكر أنه استهان بأحاديث الرعاة عن الحملة. وكيف تأتي بغتة. كان لا يصدق كيف يكون الجو صحوا..فجأة تتلبد، ترعد، تبرق، وفي أثناء التأمل يحدث الغرق. عبثا يحاول الآن أن يسحب نفسه إلى أعلى. كيف لا تمهل حملة الوادي حتى القائد. كان يفخر هو وكل رجال الدوار بالأمان الذي يحنو على الدوار لأن الوادي عندهم له عرض ضحكت خدوج.. تخيلت القائد يغرق "يا ودي روح آش من يغرق القايد.. فين تلقاه الحملة ولا يلحق عليه واد؟!"..إنه يغرق.. كم قاد قطيعه هنا.. كان قبل قليل راعيا. اللعنة! الغرق في الشاشة الصغيرة.. كل القنوات تنقل أخبار الغرق. وهذا المذيع يحاور دجالا يقول إنه يخرج الجن من النساء.."كل مدينة سيأتي دورها"، قالت النشرات. "كل دوار لا بد أن يغرق.." قال علال " ما بغا حد ينهض، جاب ربي الغضب".. استغفر له رفيقه "ربي حاشا يدير هاذ الغضب.. هذا غضب الحقرة".. يغرق .. يصيح :
- النجدة!.. اللعنة!
فكر وهو يغرق أن كل أغصان الخريف وأوراق الأشجار سحبها الماء. ارتطم رأسه بحجر. الماء المخلوط بالتراب صار الآن قرمزيا.
عبد القهار الحجاري
فجأة وجد نفسه في عرض الوادي الهادر. لم يخطر بباله لحظة أن كل شيء قد ينقلب في رفة رمش. كان يجلس ممتعضا أمام التلفاز، المذيع يتحدث عن الإرهاب.. "اللطف اللطف يا لطيف !" صاحت الأم.. التيار الغادر يسحبه. هو لا يمكن أن يفكر الآن في شيء. ثمة قوة بداخله تحدو به إلى قتال الغرق.. إنه يبحث في اللج عن الموت ليصارعه. إنه ينازله بلا هوادة. يريد أن ينجو. كان الوادي للتو خاليا وشاسع العرض.. هل بقي عرض؟! يمتد من المنحدر إلى قدم الجبل هناك..يرفعه الماء المختلط بالتراب إلى أعلى ويطوح به.. يغرق.. ينهض، يسبح في اتجاه ما يمكن أن يكون ضفة.. وعرض الوادي.. أي عرض؟! كيف ينجو؟! كان الوادي صديقا.. لم يحتط هو من هذا الصديق. لكنه كان دائما حضن أغنامه التي سحبها منذ قليل بلا رحمة. باغته وحمل القطيع كله.. أخذ كل شيء، بكى حماره أمس، بدأت به الحملة.. واليوم حمل الوغد الدار بأعلى السفح بكل من فيها. أجهش وهو يصارع الغرق. حاول أن ينقذ ما تبقى فغرق. يذكر أنه استهان بأحاديث الرعاة عن الحملة. وكيف تأتي بغتة. كان لا يصدق كيف يكون الجو صحوا..فجأة تتلبد، ترعد، تبرق، وفي أثناء التأمل يحدث الغرق. عبثا يحاول الآن أن يسحب نفسه إلى أعلى. كيف لا تمهل حملة الوادي حتى القائد. كان يفخر هو وكل رجال الدوار بالأمان الذي يحنو على الدوار لأن الوادي عندهم له عرض ضحكت خدوج.. تخيلت القائد يغرق "يا ودي روح آش من يغرق القايد.. فين تلقاه الحملة ولا يلحق عليه واد؟!"..إنه يغرق.. كم قاد قطيعه هنا.. كان قبل قليل راعيا. اللعنة! الغرق في الشاشة الصغيرة.. كل القنوات تنقل أخبار الغرق. وهذا المذيع يحاور دجالا يقول إنه يخرج الجن من النساء.."كل مدينة سيأتي دورها"، قالت النشرات. "كل دوار لا بد أن يغرق.." قال علال " ما بغا حد ينهض، جاب ربي الغضب".. استغفر له رفيقه "ربي حاشا يدير هاذ الغضب.. هذا غضب الحقرة".. يغرق .. يصيح :
- النجدة!.. اللعنة!
فكر وهو يغرق أن كل أغصان الخريف وأوراق الأشجار سحبها الماء. ارتطم رأسه بحجر. الماء المخلوط بالتراب صار الآن قرمزيا.
عبد القهار الحجاري