هو وهي


قصة قصيرة 

ظل صامتا فيما كانت هي تتحدث إليه بود، تبتسم ثم تضحك ببراءة طفلة، أو هكذا أراد أن يكون انطباعه عنها، وعندما سألته إن كان يؤرقه شيء، أدركت للتو أنه شارد وحزين لحد لم يحصل معها من قبل، أحست بموجة برد تكتسح جسدها، لم يكن الطقس باردا إلى هذه الدرجة، لكنها شعرت بالدفء ينسحب منها، قال فجأة إنه لا يسعده أن يراها حزينة، فردت ببداهة مدهشة كأنها تعرف ما سيقول مسبقا، قالت إنها لا تحب أيضا أن تراه حزينا، فكر أنها ربما تطلب منه الانصراف كرد فعل، فحاول الحضور في المكان والزمان والحب والحميمية التي بينهما، ابتسم ميكانيكيا، نظرت إلى عينيه عميقا وطلبت منه أن يتكلم، قال من دون تردد إنه يريد أن تكون جلستهما في مكان الحب هذا الذي ألفا الارتماء في حضنه كلما ضاقت بهما السبل، وأنه يحبها عميقا ولا يمكنه أن ينكر ذلك، ويحاول أن يكون سعيدا معها ويسعدها، تأففت وقالت بأسى إنها آسفة لأنها لا تستطيع إلى الآن أن تسعده، هي تخمن أن امرأة ما دخلت حياته في غفلة منها، ولذلك هو فاتر الشعور نحوها، لكن لماذا هذا الحزن  كله في عينيه، قالت تسأله إن كان لا يزال يحبها ولم تنتظر جوابه فتابعت بهدوء يفيض حبا وخوفا وألما أنه أصبح غامضا وحزينا، وحتى ضحكه لم يعد فيه رونقه المعهود، هل يتعسه وجودها في حياته إلى هذه الدرجة، هي لا يمكن أن تتصور الحياة بعيدا عنه وهو يقول دائما نفس الكلام، لكنها تحسه هذه الأيام بعيدا عنها، قالت فجأة :
- تغيرت حبيبي !
نظر إلى عينيها عميقا، وقال بهدوء بارد :
- العالم من حولنا موبوء! 
لم تفكر كثيرا ولا تريد أن تفكر أو أن تتردد، قالت بهدوء حاولت أن يكون كالجليد :
- هل نفترق ؟.. ما دمت لست سعيدا معي .. ثم أردفت مبتسمة :
- من تكون تلك التي تشغل بالك ؟ وكنت معها بالأمس ربما ...
قاطعها بإشارة من يده واعتدل في جلسته وبدا عليه التوتر وازداد حزنه، حتى أنها رأت في عينيه مزنة ندية، قال إنه من صنف لا يعرف اللقاء والحميمية مع امرأة ما لم يكن يحبها، ولا يمكنه أن يحب أكثر من واحدة وإنه يحبها هي، هو يعرف أنها لا يمكن أن تستوعب هذا الكلام الذي يبدو مثاليا جدا، ولا يمكنها أن تقتنع، فأكد عليها أنه لا بد أن تقتنع بهذا، ثم بدا له هذا الطلب فجا فأبدى عدم اكتراثه من تصديقها له أو لا، لكنه واثق من أنه من هذا الصنف، قال لها في ثقة تامة إنه لم يخل إلى امرأة من دون حب وإنه يحبها هي، ولا يمكنه أن يخونها، هو يقول لها دائما إن الخيانة شيء منحط، قالت هي تقاطعه إن هذا الموقف عليه إجماع، فما من أحد يعتبر الخيانة شيئا عاديا، حتى من يخونون يكرهون أنفسهم غالبا، هو لا يحاول إقناعها ولكنه يريد أن يطمئن قلبها على الأقل لمدى قصير، هو يعتقد أنها وكأي امرأة لا ترى في الرجل سوى كائن شهواني، قال إنه مرة واحدة في حياته التقى حميميا بامرأة من دون حب وعانقها الليل كله لكنه وجد نفسه غارقا في الاحساس بالندم وشعر بأنه تافه، ولم يعد إلى ذلك إلى اليوم، هي لم تهم بالانصراف، وإن عز عليها أن تتخيله في حضن امرأة أخرى، مع أن هذا كان قد حصل منذ وقت بعيد، وحتى قبل أن يعرفها، لكنها لا تطيق سماع هذه الوقاحة؛ تسمرت في مكانها وغرزت عينيها في عينيه مدة طويلة وقد بدا هو مشدوها، ثم تأسف وقال إنه كان يريد فقط .... فقاطعته أن أصمت فصمتا معا لا يدري أحد منهما كم مر من الوقت وهما شاردين، بعدها ضحك هو وضحكت هي وقبلها في شفتيها وأفاقا من دوختهما على تصفيقات صاخبة وعلى الطاولة تلك الوردة الحمراء وعصير اللوز الذي تفضله هي وكأس النبيذ التي يفضلها هو.
#عبد_القهار_الحجاري

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال