أنين الباب ذو المزلاج الثقيل.. قصة


لم أر قط هذا الباب، ومع ذلك بوسعي أن أدرك تفاصيله. ما كان بالإمكان أن يقع بصري عليه، حين كانت قدماي تتخطيان عتبته. شعرت بالغثيان وأنا أحشر هنا في العتمة بكثير من عبارات الترحيب المتكلفة أو الساخرة بالأحرى. كدت أفرغ معدتي بسبب الرائحة الغريبة المستفزة للخياشيم والأحشاء. إنها إحدى التفاصيل التي علقت بذاكرتي.
في الفجر يعلن الباب الحديدي عن طقس الموت، يفتح باياد فولاذية، فيئن. تهتز الجدران الرطبة المهترئة النتنة. يسكنها رعب متجدد. أهب واقفا. قلبي يخفق بشدة. شعر رأسي هو الآخر ينتصب كشوك صبار. ضوء غادر متسلل من خارج الجدران. جلبة، صراخ مكتوم.. وما يشبه الرعد أو طلقات رصاص محموم.ويحل بعد ذلك سكون يتكسر بعواء أو نباح أو نعيق غربان. يمكنني أن أجزم أنني أشم رائحة غريبة أخرى، يدفع بها هواء الصباح البارد، فتتسلل بين فجوات الأبواب والكوات الصغيرة، ربما تكون رائحة الموت نفسها.
في الصباح.. في الظهيرة وفي المساء تهتاجني رغبة في الصراخ، عندما يجهر الباب أنينه المفزع. أكتم الصراخ، أمسك معدتي كي لا يتمكن مني الدوار. وبعد وقت غير يسير أتمكن بصعوبة وتحت ضغط الجوع من دلق القليل من هذا الشيء العفن في جوفي.
أحس بأنني فقيه أعزب حديث العهد بالمهنة، يخشى منه على نساء الدشر، وإن لبس وقارا وأخفى وسامته خلف لحيته. أحيانا يخيل إليَّ أنني طائر حر طليق في السماء. لا أدري هل سيغيب ذلك الشخص طويلا، قبل أن يهل عليَّ بطاجين  الطين الفواحة رائحته الشهية من بعيد. ربما كانت في المدخل نسوة لا يحسن بي رؤيتهن. غرفة معتمة في مصحة عقلية. كهف ذو باب حديدي.. ارتفع أنين الباب وأحدث المزلاج الثقيل ارتطاما قويا عند فتحه..صراخ ووقع أقدام ذات أحذية عسكرية على الأرض المتربة...
وانهالت الهراوات على جسدي المكوم..فتحت عينيَّ. وجدتني أتألم، وكل شيء حولي مبلل..

عبد القهار الحجاري
نشر هذا النص بالملحق الثقافي لجريدة العلم ليوم الخميس 30 أكتوبر 2014

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال