الموسيقى الغرناطية وفعالياتها بمدينة وجدة



الموسيقى الغرناطية وفعالياتها بمدينة وجدة


تعتبر الموسيقى الأندلسية، من الألوان الموسيقية التراثية، الأكثر أصالة وعمقا. وتتميز بتنوعها، وغناها الفني. وتعدد أساليبها، تبعا لمدارسها الثلاث:
1- مدرسة الآلة.
2- المدرسة الغرناطية.
3- مدرسة المألوف.
كما تتميز أيضا بامتدادها الأورومتوسطي. وبطابعها المغاربي الإيبـري؛ نظرا للروابط التاريخية بين شعوب المنطقة. خاصة في عهد الحضارة الأندلسية. وما نتج عنها من إشعاع شمل مختلف أوجه الإبداع الفني والأدبي. ومس شتى مناحي الثقافة والفكر..
ونود من خلال هذه المساهمة، التعريف بالموسيقى الغرناطية في مدينة وجدة، إحدى أهم الحواضر المغاربية التي احتضنت التراث الموسيقي الأندلسي. وحافظت على اصالته ومقوماته الفنية...
مدينة وجدة، عاصمة الجهة الشرقية للمملكة المغربية. مدينة الألف سنة. المتاخمة للحدود المغربية-الجزائرية، تشكلت ملامحها الثقافية عبر الزمن. منذ أسسها زيري بن عطية المغراوي سنة 994 ميلادية (م) حاضرة شاهدة على التاريخ. بأسوار مدينتها العتيقة. وبواباتها الضخمة.. وأزقتها الاثرية البديعة. وأقواسها المتقنة الصنع. وأسواقها المزدحمة... تشم رائحة العصور الغابرة من جنباتها. وتشد مسامعك ألوان من الموسيقى المحلية المنبعثة، من المحلات التجارية للأشرطة الموسيقية المنتشرة وسط المدينة القديمة. ويمكنك أن تتعرف لونا من النغم الأصيل المتأنق، في إحدى الأمسيات الموسيقية، داخل إحدى المعالم المعمارية العريقة. في إطار الأنشطة الثقافية المحلية، والتي تتميز عروضها بجماليتها الأخاذة. التي تحملك إلى عوالم "الفردوس المفقود" (الأندلس). إنها الموسيقى الغرناطية أو الطرب الغرناطي كما يحلو للوجديين أن يسموها. ستجد نفسك في فناء بيت أندلسي المعمار. شاسع المساحة، تستغل فضاءاته، منذ عقود كمكتبة عمومية. تسمى: خزانة الشريف الإدريسي. وسط جمهور، له ذائقة جمالية خاصة. وأمام توالي فرق للطرب الغرناطي على الأداء الموسيقي والغناء. بزي، غالبا ما يكون مغربيا – أندلسيا، يتكون من جلباب أبيض وطربوش أحمر. وحذاء خفيف يسمى "البلغة". ويمكنك أن تتابع الطرب الغرناطي، أيضا في حديقة متحف " للامريم" الأثري حيث مسرحها في الهواء الطلق، لا يتسع إلا لبضع مئات من الحاضرين. وكأنه صمم خصيصا لجمهور نوعي غير محتشد، أو تستمتع به في "دار السبتي" العريقة... البديعة فسيفساؤها ونقوشها. فتوحي إليك أعمدتها الشامخة، وسقفها العالي. وشرفاتها المطلقة وجنباتها الواسعة... بجلال ورهبة المكان. وتخلبك ثرياتها المتدلية، وجدرانها المزينة... فتمس فعلا، بجمال السحر الوجدي.

وتشهد مدينة وجدة في السنوات الاخيرة حركة ملحوظة للموسيقى الغرناطية من خلال مهرجان الطرب الغرناطي الذي تشرف على تنظيمه كل سنة وزارة الثقافة والاتصال، ومركز الدراسات والأبحاث الغرناطية بوجدة. وقد تعود الجمهور على برنامج من شقين: شق تطبيقي يتعلق بالأداء. وشق نظري فكري فهناك عروض موسيقية، تقدمها جمعيات وفرق للطرب الغرناطي بوجدة، ومنها: الجمعية الأندلسية، والجمعية الموصلية، وفرقة الشيخ صالح، والمجموعة الغرناطية لولاية وجدة، والجمعية الإسماعيلية، وجمعية السلام... وجمعيات من الجزائر الشقيقة،كجمعية نادي الهلال من مدينة مستغانم.. ويشارك في المهرجان أبرز الفنانين المغاربـيـيـن الممارسين لهذا النوع من الموسيقى، أمثال الشيخ أحمد بيرو، وعبد السلام بريول، وبهيجة رحال، وفرانسواز أطلان، وزبيدة الإدريسي وسامي المغربي..
كما جرت العادة أن يشتمل البرنامج أيضا على ندوات ،حول الطرب الغرناطي. من مختلف الجوانب التاريخية والفنية.. يساهم فيها عدد من الأكاديميين والباحثين، وأطر الجمعيات والمجموعات الموسيقية، بالإضافة إلى معرض لصور الدورات السابقة للمهرجان. وقد تمكنت هذه التظاهرة الفنية الهامة على مدار دوراتها الإحدى عشر، من استقطاب جمهور نوعي عريض من ممارسين للموسيقى، في ألوان نغمية أخرى، ومثقفين ومهتمين منذوقين...
في كراس للجمعية الاندلسية بوجدة، كتب بخط مغربي جميل بعنوان: نوبات من الطرب الغرناطي. صنائع أندلسية وقصائد مديحية، نقرأ في بطاقة تعريف الجمعية. "إن الموسيقى من أهم الوسائل التي ترقى بأذهاننا إلى مستوى الجمال المطلق والفناء فيه...". وفي النغم الأندلسي عامة والغرناطي بصفة خاصة. ما يجعلنا نحس بسعة فضائه، وعمق أغواره وسحر جماله... أكثر مما يمكن أن يصوره الطرب نفسه. والنغم الرفيع ليس مجرد طرب. بل يتعداه إلى ما هو أعمق.. إلى ما يوحي بالجمال.. ويرتفع بإحساسنا إلى مستوى الفناء فيه. إنها تلك الطاقة التعبيرية التي تزخر بها بنية العمل الموسيقي الغرناطي؛ النوبة بطبوعها وميازينها، بقالبها المصوغ بدقة فنية بالغة. بحييث ألفت الصياغة اللحنية بين عقلانية المنطق الرياضي، وشعرية النغم تأليفا عجيبا، تزخر به الحركة اللحنية-الإيقاعية... ويفصح عنه الاداء الموسيقي عزفا وغناء.
إننا نشعر بالطرب، بفضل تلك القوة التعبيرية المنداحة. وقد نشعر بالدهشة والانبهار... ويجتاحنا ذلك الإحساس بالجمال المطلق. بل ويمكن أن نرقي إلى درجة الفناء فيه.
ويؤكد الأستاذ عبد العزيز بن عبد الجليل صاحب كتاب "مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية" أن الموسيقى الأندلسية مكونة من ثلاث مدارس هي:
"المدرسة التونسية واصلها اشبيلي. والمدرسة الجزائرية وأصلها غرناطي. والمدرسة المغربية وهي متأثرة بالمدرسة البلنسية في فاس. والمدرسة الغرناطية الحديثة في تطوان وشفشاون..." وإن ما هو أكيد أن الموسيقى الغرناطية مدرسة أندلسية قائمة بذاتها. من بين ثلاث مدارس تشكل كلها الموسيقى الأندلسية: مدرسة الآلة وهي السائدة في المغرب مدرسة الغرناطي في وجدة والرباط والجزائر، ومدرسة المألوف في تونس. وعدد نوبات الموسيقى الغرناطية اثنا عشر نوبة كاملة هي:
الماية – رمل الماية – الرمل – الذيل – الرصد – رصد الذيل – الزيدان – الصيكة (بالصاد وهي مختلفة عن مقام السيكاه) – المزموم – الحسين – الغريب – المجنبة - وأربع نوبات ناقصة هي: الموال – غريبة الحسين – الجركاه – العراق – وإيقاعاتها خمسة هي: المصدر- البطايحي – الدرج – الانصراف –المخلس
وغالبا من يقوم غرناطي وجدة، على قالب لحني – إيقاعي مكون من ثلاث لحظات كبرى:
1- مقدمة آلية: تعزف على إحدى الآلات الوترية: عود أوكمان أو بانجو أو مندولين.
2- موال يؤديه المنشد مع مصاحبة آلية.
3- أداء القصيدة وتشترك فيه الآلات الموسيقية مع تجاوب المجموعة مع صوت المنشد المنفرد.
اهتم سكان مدينة وجدة بالموسيقى الغرناطية. وتأنقوا في تذوقها فتأسست عدة أجواق ومجموعات موسيقية أندلسية. وظهرت جمعيات تؤطر هذه الحركة الموسيقية. وقد عرف عقد الثمانينيات، تأسيس عدد منها تمارس الطرب الغرناطي وتعنى بنشره. من أهمها الجمعية الموصلية للطرب الغرناطي، ومجموعة الشيخ صالح ومجموعة السلام..
* إلا أن أقدم هذه الجمعيات وأهمها قبل الاستقلال، كما يشير إلى ذلك الأستاذ يونس الشامي صاحب أول تدوين بالنوطة الموسيقية لنوبات الطرب الأندلسي في أجزاء ضخمة. يحمل كل جزء منها اسم النوبة الأندلسية المدونة.. هي الجمعية الأندلسية للطرب والمسرح والآداب بوجدة. وقد أسسها محمد بن إسماعيل. في وجدة سنة 1921، ولا تزال قائمة إلى اليوم. وهي جمعية ثقافية فنية مستقلة ساهمت في تكوين أجيال متتالية من الفنانين الذين عملوا طيلة عمرها المديد على خدمة التراث الموسيقي الأندلسي الخالد. وصيانته من الاندثار. ومن الأهداف التي عملت على تحقيقها:
· النهوض بالموسيقى الأندلسية، وما يتصل بها، من فنون وآداب.
· صيانة التراث الأندلسي، والعمل على تطوره، وتحبيبه للجمهور. ونشره بطرق علمية، تساير روح العصر، مع المحافظة على أصالته وخصوصيته.
· البحث عن المواهب، وتكوينها تكوينا أدبيا، وفنيا، وجماليا، يؤهلها لنشر هذا التراث، بين الاجيال الصاعدة، بطرق وأساليب تربوية،تخلق لدى ناشئتنا، وشبابنا ذائقة جمالية رفيعة. وتجعلهم يتعاملون مع تراثنا الموسيقي الأندلسي، انطلاقا من منظور فكري وجمالي، بهذب النفوس والطباع ويغذي العقول والأرواح. ويرفع من مستوى نظرتهم إلى هذا الفن الذي اقترن –خطأ- في أذهان كثير من الناس، بالخلاعة والمجون خلال عصور الانحطاط والجمود..
كما تعمل الجمعية الأندلسية، على ضمان استمرارية ذلك التواصل الحضاري بين المغرب – ووجدة خاصة- وبلاد الأندلس التي لازالت تحمل في طياتها وكيانها كثيرا من تلك الخصائص الحضارية الخالدة. وللجمعية سجل حافل في مسيرتها الفنية على مدى ثمانية وسبعين عاما.
أما الجمعية الموصلية للطرب الغرناطي فقد تأسست، كما اشرنا إلى ذلك قبل قليل، بوجدة سنة 1984م، وهي جمعية موسيقية تهتم بالطرب الغرناطي، وتوليه عناية فائقة، من الناحيتين الأدبية والفنية. وتجعل نشره بين الشباب في مقدمة أهدافها. ويتمثل نشاط الجمعية الموصلية، في إحياء سهرات وأمسيات فنية في مختلف المناسبات الدينية والثقافية. كما أنها أبانت عن مستوى فني رفيع داخل المغرب وخارجه، خلال التظاهرات الفنية المتنوعة التي شاركت فيها فرقتها الموسيقية.
*وتأسست مجموعة الشيخ صالح للطرب الغرناطي سنة 1986. ومن أهدافها الأساسية، إحياء التراث الغرناطي، وحمايته من الاندثار. ومحاولة نشره والتعريف به محليا ووطنيا ودوليا، وتشارك المجموعة باستمرار، في مختلف التظاهرات الموسيقية في المغرب، والبلدان العربية وفي أوروبا.
وتنسب هذه الجمعية الى الشيخ صالح محمد بن سعيد بن صالح شعبان. ولد سنة 1911 بمدينة وجدة، تتلمذ على يد الشيخ محمد بن إسماعيل، والشيخ العربي بن صاري، وهما من رواد الطرب الغرناطي بالمغرب والجزائر. أسس أول جمعية موسيقية له سنة 1930 شاركت في عدة مهرجانات وطنية ودولية. له أعمال فنية خاصة. جعلته يتميز بالطابع الوجدي الخالص. خاصة في مجال القصيدة، توفي سنة 1973م، تاركا رصيدا هاما من الإنجازات الفنية. وروادا من أبنائه وتلامذته. حملوا مشعل مواصلة البحث في هذا التراث الأصيل. وأبرزهم ابنه الفنان محمد شعبان، أحد رموز الطرب الغرناطي اليوم بمدينة وجدة الذي جرى تكريمه في الدورة 11 لمهرجان وجدة للطرب الغرناطي، أواخر شهر فبراير 2002. وتحدث مدير مركز الدراسات والأبحاث الغرناطية بوجدة الأستاذ محمد بن عبد الله، لحظة التكريم عن موهبة ونبوغ الفنان محمد شعبان. وما شهد له به شيوخ كبار معاصرون في هذا الجنس الموسيقي الاصيل،كفنان طبع الطرب الغرناطي بطابع خاص. وساهم في تميزه عن الأنماط الموسيقية العريقة في جميع أقطار المغرب العربي.
واتلفت مجموعة السلام لقدماء الطرب الغرناطي سنة 1986م. بلم شتات مجموعة من أعلام وشيوخ الطرب الغرناطي بوجدة، أبرزهم أحمد الزموري. وقامت مجموعة السلام لقدماء الطرب الغرناطي بعدة أنشطة وأمسيات بوجدة. وتواظب على المشاركة في مهرجان الطرب الغرناطي بوجدة. وقد أحيت حفلات بمدينة مليلة سنوات 1993م، 1994م، 1995م، وبالرباط سنة 1992م، وتمثل هذه المجموعة نموذجا لافتا لامتداد التراث الموسيقي الغرناطي عبر شيوخه في اتجاه الحفاظ عليه، وتطويره على يد الهواة من شبابه.
تأسست جمعية التواصل للطرب الغرناطي والأندلسي سنة 1985بمدينة وجدة. من طرف مجموعة من الشباب الهواة لهذا النوع من الطرب. وبفضل مجهوداتهم. المتواصلة، استطاعوا تحقيق ما تصبوا إليه الجمعية من أهداف ثقافية وفنية. وهذا ما يتجلى واضحا من خلال الأنشطة الثقافية الكثيرة والمتنوعة التي قامت بها منها:
· مشاركة الجمعية في جميع مهرجانات الطرب الغرناطي التي نظمتها وزارة الثقافة بمدينة وجدة وكذا الندوات والحلقات الدراسية في هذا المجال.
· المشاركة في عدة مهرجانات بالجزائر الشقيقة. خاصة بمديني وهران وتلمسان. وفي مختلف المناسبات الوطنية وعلى صعيد الجهة الشرقية من المملكة.
وتأسست الجمعية الإسماعيلية للطرب الغرناطي بتاريخ 2 مارس 1992. وقد اشتغل مؤسسو هذه الجمعية من قبل في إطار جمعية السلام لقدماء الطرب الغرناطي، وسميت الإسماعيلية باسم الشيخ محمد بن إسماعيل أحد أبرز رواد الموسيقى الغرناطية. وقد دشنت باكورة أعمالها بالاحتفال بعيد العرش يوم 2 مارس 1993. كما شاركت الجمعية في العديد من التظاهرات الموسيقية نذكر منها:
· جميع دورات مهرجان وجدة للطرب الغرناطي، منذ سنة 1992.
· سهرات رمضانية من تنظيم وزارة الثقافة والاتصال.
· إحياء السهرات التي كانت الجماعات المحلية تنظمها بمناسبة الاعياد الدينية والوطنية.
وتعتزم الجمعية في إطار خطة عمل مستقبلية إنجاز المهام التالية:
· تأسيس قسم خاص بالأطفال تابع للجمعية بهدف إعدادهم إعدادا فنيا وتربويا حتى يحملوا مشعل التراث الموسيقي الغرناطي.
· مواصلة المشاركة في المهرجانات الوطنية والدولية.التنسيق مع الجمعيات الموسيقية الغرناطية ومركز الدراسات والأبحاث
· التنسيق مع الجمعيات الموسيقية الغرناطية ومركز الدراسات والأبحاث الغرناطية بوجدة فيما يخص البحث الموسيقي الأندلسي عامة والغرناطي بصفة خاصة. والمساهمة في تعزيز مكسب مهرجان وجدة للطرب الغرناطي، لما لهذه الموسيقى من طابع محلي وجدي خالص، وإشعاع فني بالغ الأهمية.
ويتسم عمل الجمعية الإسماعيلية بروح التعاون والتنسيق مع مختلف الجمعيات والفعاليات الغرناطية.
مجموعة ولاية وجدة للطرب الغرناطي جمعية موسيقية تعنى بالموسيقى الغرناطية ذات الطابع الوجدي الخالص. من خلال فرقتها الموسيقية وأطرها الذين تمرسوا في تشكيلات جمعوية غرناطية كجمعية التواصل وجمعية الشيخ صالح... وبفضل مجهودات ورصيد أفراد مجموعة ولاية وجدة التي ظهرت في الآونة الأخيرة كجمعة وازنة أمكن لها أن تسجل إسمها من خلال حضورها في الساحة الموسيقية الغرناطية بمدينة وجدة.
ومن خلال هذا الجرد السريع لجمعات الطرب الغرناطي بوجدة. يتضح جليا ثراء الساحة الموسيقية الغرناطية بالمدينة. وغنى رصيدها الفني. ودينامية أسماء فنية عديدة من كلا الجنسين وازنة بارعة في الحفظ. والرواية متعمقة في النوبة الغرناطية وميازينها "وانقلاباتها" "واستخباراتها". ذات مستوى عال في الأداء غناء وعزفا على مختلف الآلات الإيقاعة والوترية وغيرها منذ الرواد الاوائل... محمد بن اسماعيل، الشيخ صالح، أحمد الزموري، الغوتي العشعاشي.. إلى رواد اليوم أمثال أبناء شعبان وسلامي والجيلالي والغيدي وغزلان وأحمد الفقير وعياد والرمضاني وحسني ورشيد العسري ومحسن الزموري وفاطمة الزهراء بن زينت وآمنة بنسعد ووفاء دزيري... وعبد الإله بن مسعود.. وغيرهم كثر لا يسعنا المجال لذكرهم جميعهم.
يلاحظ المتتبع للشأن الموسيقي بمدينة وجدة، دينامية مشهودة لمركز الدراسات والابحاث الغرناطية، في السنوات الأخيرة بشكل خاص. فعلاوة على ثقله الوازن في التحضير لدورات مهرجان وجدة للطرب الغرناطي، يعقد المركز عدة ندوات علمية، وحلقات دراسية تسفر عن دراسات وبحوث قيمة. تشكل إضافة كمية ونوعية في مسير البحث في التراث الغرناطي عامة والموسيقي منه بصفة خاصة. وذلك بالرغم من شح الامكانيات المادية والبشرية الموضوعة تحت تصرف المركز. فالمقر صغير. وهو عبارة عن غرفتين صغيرتين في "دار السبتي" بشارع المغرب العربي. والوسائل والتجهيزات تعانـي من نقص مهول.. والموارد البشرية غير كافية، إذ يشغل المركز بمدير وكاتبة واحدة فقط. ويؤكد الأستاذ محمد بن عبد الله مدير مركز الدراسات والابحاث الغرناطية بوجدة الذي تأسس سنة 1990م، ان هذا الوضع غير الطبيعي، يعوق العمل الذي يستند نظريا إلى أهداف كبرى، تتوسل بمشاريع طموحة. ومتبصرة بالأخطار التي تهدد التراث الغرناطي، ومن تلك الأهداف التي سطرها المركز لنفسه:
1- جمع وتحقيق وتدوين التراث الموسيقي الغرناطي وتسجيله. ويقول الأستاذ أحمد عيدون، رئيس قسم الموسيقى وفنون الرقص، بوزارة الثقافة والاتصال: "إن هذه المهمة هي التي ستفتح الآفاق لعمل علمي جدي وأساسي. وتتطلب وسائل بشرية ومادية لابد منها.." وذلك في مداخلة له حول منهجية علمية في تدوين الطرب الغرناطي. في إطار ندوة البحث في التراث الغرناطي حصيلة وآفاق. ونظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة بتعاون مع المركز سنة 1997.
2- متابعة دراسته كتعبير فني أتبت جمال حضوره عبر تاريخ عريض. بما يختزن فنه الأصيل من قدرة على الامتداد الجغرافي من الاندلس مرورا بالمغرب إلى المشرق.
3- تشجيع الدراسة والبحث في ميدان التراث الغرناطي. واستقطاب الفعاليات المتخصصة.. وعقد ندوات وحلقات... وأعمال دراسية معمقة ومستمرة على المدى القصير والمتوسط والبعيد. بشراكة مع المؤسسات والفعاليات الثقافية والفنية.
4- استثمار جميع الوسائل الممكنة للنهوض بهذا التراث. ويؤكد الأستاذ محمد بن عبد الله أنه "من الضروري الملح أن تتكاثف الجهود، بين الجهات الوصية، والمؤسسات الجامعية والهيئات العلمية والاكاديمية، والمنشآت الاستثمارية، لحشد الطاقات البشرية والموارد المالية والتجهيزات التقنية الحديثة. لتحقيق الأهداف المتوخاة من إنشاء مركز الدراسات والأبحاث الغرناطية للتعجيل بإنجاز المهام المنوطة به."
5- تسهيل اتصال المولوعين به. من خلال تنظيم انشطة مختلفة.
6- ربط علاقات التعاون وتبادل المعلومات والدراسات والوثائق والخبرات. مع المؤسسات والفعاليات المتخصصة في هذا المجال داخل المغرب وخارجه. وخاصة على صعيد دول المغرب العربي ودول غرب البحر المتوسط (اسبانيا والبرتغال).
7- تنظيم لقاءات وملتقيات دراسية قصد تعميق البحث في هذا التراث الخالد.
وسعيا لتحقيق هذه الأهداف، رغم ظروف العمل الصعبة فقد أنجز مركز الدراسات والابحاث الغرناطية عدة أعمال منها:
تنظيم عدة ندوات وحلقات دراسية، انصب فيها الجهد على جمع الرصيد الشعري والزجلي لنوبة رمل الماية. وتحقيق نصوص هذا الرصيد. والقيام بدراسة بنياته اللحنية والإيقاعية، وصولا إلى توثيق هذه النوبة، توثيقا أدبيا وتدوينها تدوينا موسيقيا.
كما يتجه الاهتمام لدى المسؤولين والمركز إلى العناية بالجوانب الثقافية والادبية والفنية التي تمكن الباحثين والدارسين من الكشف عن كنوز هذا التراث. ومن أجل ذلك، نظم مركز الدراسات والأبحاث الغرناطية بوجدة بتعاون مع مؤسسات أخرى، عدة ندوات وحلقات دراسية من بينها: أشغال دراسية تناولت "أساليب أداء النوبة في المغرب العربي". و"الأصول الأندلسية للطرب الغرناطي." و"التراث الغرناطي وإشكالية توثيقه أدبيا وتدوينه موسيقيا".
إن النهوض بهذه المهام التي أطلق ديناميتها مركز الدراسات والأبحاث الغرناطية بوجدة. من أجل الرقي بالموسيقى الغرناطية من مستوى الحفاظ على الموروث النغمي المتحدر من الفردوس المفقود. وهو المستوى الذي لابد من إنجازه واستـنفاذه علميا بالجمع والتحقيق والتسجيل والتدوين... إلى مستوى استثمار ثرائه الفني وجماليته المتفردة، بالعمل الموسيقى الدؤوب والدراسة التحليلية والجمالية.. كل هذا يستوجب حشد الطاقات والإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لمثل هذا المشروع الجبار الذي يرتكز إلى الوعي العصري بأهمية التراث الغرناطي والموسيقي منه بخاصة باعتباره من مقومات ثقافتنا الوطنية. ورافدا من روافد حضارتنا العربية الاندلسية العريقة وزخما ثقافيا يمثل الخصوصية الغنية التي لابد منها لبناء مداخل الحداثة ثقافيا وفنيا..
عبد القهار الحجاري
(منشور بجريدة الفنون عدد 28 / شباط - فبراير 2003 )
أبحاث موسيقية أخرى منشورة بمجلة الفنون الكويتية ومتوفرة بالشبكة العالمية :
● الموسيقى الغرناطية وفعالباتها بمدينة وجدة، العدد 28 / شباط - فبراير 2003
● الأغنية المغربية : النشأة، المسير، الأزمة، العدد 53 / آيار - مايو 2005
● نماذج من الأهازبج الجماعية بواحة فجيج، العدد 76 / آذار - مارس 2007  
● النهوض بالتربية الموسيقية في العالم العربي، العدد 79 / آب - أغسطس 2007
● المثاقفة والوعي الكوني من خلال الكتابة والغناء الجماعي المدرسيين، العدد 127 / نيسان - أبريل  2012
● الموسيقى الرقمية : تحديات ورهانات، العدد 140/ مايو 2013
● سيرورة إدماج التربية الموسيقية في العالم العربي؛ محاولة في التحقيب، العدد 152 / آيار - مايو 2014

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال